الجمعة، 24 ديسمبر 2021

صور في ذاكرة متعبة / سالم عكروتي

 صور في  ذاكرة  متعبة /ص/60


تمر  الأيام  متشابهات ، ضجر  وملل ، فراغ  رهيب  ،رتابة   في  كل  شي ،  أصبح  واقعنا  الذي  نعيش  لا  لون  ولا  طعم  له ، نستهلك  أيامنا  نسحبها  من  رصيد  العمر  بليدة  ركيكة  يستوطنها  الفراغ  والصمت  الرهيب  ،  نتكأ  على  تراكمات  الماضي  ونبكي  زمننا  الجميل  الذي  ولى  وراح  ،بطمأنينته  وحلم  رائع  بديع  ،بأيام  صبى  وطفولة  بريئة  وشباب  مندفع  منطلق  يعانق  السحاب ، وحكايات   و

ظحكات   صافية  أثثنا  بها  سمرنا  وجلساتتا  ،كانت   تأخذنا  إلى  أفق  زاهي  بديع  وإنتظارات  من  آت  خلناه  يشبهنا ، ببساطتنا  بأشيائنا  المتواضعة ، بأمانينا  صنعنا  قصورا  فوق  السحاب  وزرعنا  المدى  زهورا  و  حدائقا  وأعشابا ،  وعانقنا  القمر   وشاركتنا  أفراحنا  وحزننا  الجميل.

واليوم  إثاقلت  خطايا  وسنين  عمري ، بهتت  مساربي  وغزت  شيبات رأسي ، وتنكر  لي  الأفق  و  وإستحال  سرابا  ، أشجار  السرو  والصفصاف  على  الجنبات  يحيين  ركبي  الخائب  وأنا  أجر  هزائمي   ووزر  الخيبات  ،  أهرول ،أركض ،أجري ،  نسمات  شتوية  باردة  ورذاذ  المطر  يدغدغ  وجهي  الصامت ، في  مكان  ما  من  ذاكرتي، وعلى  بقعة  ما من الأرض  حيث كانت  صرختي  الأولى  في  هذه  الحياة ، كان  أبي  الراحل  يداوم  المكوث  فيها  ،جلست  حيث  كان  يجلس ، يتمتم  وحده  يصنع  لوحدته  هيبة  ووقارا ، عصاه  بيساره  والمصحف  بيمناه، يقرأ  بتأن  وتعتعة ، رجعت  ذاكرتي  وذكرياتي  أدراجها ، ووجدتني  طفلا ، تحسست  المكان  إستصرخت  الزمان  ، بدا  لي  كوخنا  القديم  على  يميني ، وكل  أشجار  السدر  المحيطة ، بعثت  من  جديد ، رأيتها  تلوح  بأغصانها  الخضراء ، تبكي  بأنين  صامت ، فتشت  في  ركن  الكوخ ، وجدت  أمي  الراحلة الحاضرة  (رحمك الله  يا أماه)  الأيقونة  الصامدة  تروح  وتجيئ  في  باحته ، تصنع كبريائي  وفرحي، وجدت  الرحى، وال(البابور)  وال(قازة)   ومحفظتي  السوداء  وكتاب  إقرأ  وطبشوراتي  واللوحة  وال(بلومة) الحمراء  ومحبرتي  العتيقة ، صافحوني  ببرود  وكأنهم  نسونني  أو  لم  يتذكرونني  ،   بقيت  بينهم   لا  أدري  كم  من  الوقت ، أستلطفهم  وأستجديهم  أن  يسعفو  ذاكرتي  المتعبة  وأن  يلتحقوا  بي  لنقوم  بمراسم  جنائز  أحزاني .

الرذاذ  تضاعفت  حباته  وأصبح  مطرا  تهطل ، السحب  تتواتر  قاتمة  ،أسراب  من  الطيور  تمر  سراعا ، الريح  شمالية  قارسة ، ضاعت  الصور  وتكسرت  الأشكال ، قمت  من  ماضيا  ومن  مكاني ، أسرعت  الخطا  إلى  المنزل ،  جلبة  الصغار  و  لهوهم، وفرحتهم بسمرهم  وبرائتهم ، وزوجة  تهيأ  عشاءنا  البسيط  ومن المأذنة  البعيدة  يأتينا  آذان  المغرب  أن  الله  أكبر  الله  أكبر


سالم  عكروتي  (أبو عيسى)

تونس  في 26 /1/2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عيد الحب / فاطمة الرحالي

 عيد الحب ؟!  أي حب نتكلم عنه ، و نعيد ؟! بأي قلب نفرح به و يزهر القصيد ؟ الأوطان نار و الوجع شديد .. و الخطب زاد .. سحق العباد  طال الطفل و...