الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

قصة قصيرة للمبدع/ مرشد سعيد الأحمد

 قصة قصيرة

بقلم : مرشد سعيد الأحمد

___________ صرت مسؤول ياخلف __________

 في قرية جميلة على ضفاف نهر الخابور يعيش خلف طفولته في عائلة فقيرة كادحة تعمل بالزراعة بالإضافة إلى تربية عدد قليل من الأغنام والماعز وبقرتين حلوبتين

 وقد منحه الله صوتا شجياً في الغناء إضافة إلى وسامة في الشكل والمظهر ولباقة في الحديث.

 كان خارج أوقات الدوام المدرسي يقوم برعي دواب أهله على ضفاف النهر فيقطع من القصب النابت بشكل طبيعي على ضفافه ويصنع منه الناي والزمارة والمجوز

 وأحيانا يغافل البائع المتجول الذي يدخل القرية ويقطع من ذيل حصانه خصلة شعر ويأخذ من جدته عنود قطعة من الجلد فيصنع منها ربابة ليمارس هوايته في العزف والغناء .وبعد تجاوزه الخامسة عشرة من عمره أصبح يشارك في حفلات الأعراس في قريته والقرى المجاورة من خلال العزف على الزمارة أو المجوز بالإضافة إلى ترديد الكثير من الأهازيج المرافقة لعزفه أثناء الدبكة. تزوج فتاة جميلة اسمها سراب من إحدى بنات القرى المجاورة بعد أن أوقعها في شباك حبه من خلال ذكر اسمها في أهازيجه التي يرددها .

 وبعد أن حصل على شهادة البكالورية سجل في كلية الحقوق وعمل موظف بسيط في إحدى دوائر القطاع العام وتابع دراسته الجامعية بطريقة الدراسة الحرة

 بعد أن سكن المدينة في حي شعبي في منطقة مخالفات مكتظ بالسكان في غرفتين من القرميد فكان مثال الجار المتواضع والمحبوب من الجميع 

 تابع مشاركته في الغناء في بعض الفرق الموسيقية الشعبية بعد أن تطورت الحفلات من الدبكة على صوت المزمار إلى الدبكة على أنغام البزق والورك بالإضافة إلى دخول أنواع جديدة مثل دبكة الچوبي والرقص الجماعي وغيرها فكان يحفظ بعض الأغاني والأهازيج

 ويكررها في كل حفلاته اذكر منها :

## شتريدين شتريدين بس گلولي لي شتريدين

 أنا أدور بس رضاچ وأنتي عن دربي تصدين ##

 عندما حصل على شهادة الحقوق بعد عشر سنوات من الدراسة تم تعيينه في منصب رفيع قرارته نافذة وملزمة للجميع كحل وسط لخلاف بين الجهات المختصة على تعيين شخص من أصحاب النفوذ في هذا المنصب.

 فتحول خلف إلى وحش بشري مفترس صاحب مزاج عصبي ومنعزل اجتماعيا ويتلذذ في معاقبة وأذى أقرب المقربين منه.فشاع خبر حبه للأذى في المنطقة وأصبح الجميع يخافه ويتجنب التواصل معه وأصبح حديث الجميع في الشارع وفي المدرسة وفي المقهى . وقد أعجبني تحليل أحد الأصدقاء الذي يدرس الإرشاد النفسي لشخصيته عندما قال: إن انتقال خلف من وسط تربى فيه منذ نعومة أظافره بالإضافة إلى جهله بالعمل الموكل إليه هما أهم الأسباب التي غيرت سلوك خلف إلى ما هو عليه فالكرسي يكبر بالشخص المثقف والواعي والمؤهل علميا واجتماعيا ليمارس عمله بعيدا عن كل أنانية أو مصلحة شخصية .

 وفي جولة امتحانية قام بها خلف إلى إحدى المراكز الامتحانية في بلدة تل المرابع أرعب من خلالها الأهالي قبل الطلاب والمراقبين. كان له رئيس المركز أبو قحطان بالمرصاد عندما استقبله قائلا له باللهجة العامية:

( وينك وينك يااستاذ راحت عليك خوش طامح )

 فرد عليه بلهفة متناسياً مهمته وتصرفاته الهوجاء قائلاً

 طامح واي طامح وكم عمرها ولماذا طمحت؟

 فرد عليه أبو قحطان بعد أن سار به في ممر المركز الامتحاني قائلا : إنها مَدْرَسَة عمرها لا يتجاوز الخمسة وعشرون عاما وأبوها من عشيرة المعايطة وأمها من الشركس وقد اكتسبت جمالها من جمال أمها وخالاتها.

 وقد تزوجها ابن عمها بعد أن حيّر عليها لكنها أقسمت أنها لن تكون له زوجة وطُلقت منه بعد أقل من شهر و...... ثم عاد به إلى باب المركز وودعه دون أن يدخل أي قاعة امتحانية . وبعد نهاية الامتحان رد أبو قحطان على أسئلة المراقبين واستغرابهم لعدم دخوله أي قاعة امتحانية قائلا : إن ما يدور في ذهن الأستاذ خلف أهم بكثير من أي عمل أو واجب يقوم به فهو يبحث عن امرأة طامح وأنا كنت أصف له هذه الطامح 

 فقال أمين سر المركز لا يوجد في مركزنا أي امرأة طامح. فرد عليه الو قحطان : كلامك صحيح لأن هذه الطامح غير موجودة إلا في ذهن خلف وطالما أن التوصيف الوظيفي غير موجود وعدم الاعتماد على التدرج في العمل الوظيفي في التعيين وفي نفس الدائرة سنجد الكثير من أمثال خلف واللذين همهم الوحيد هو الجنس أو البحث عن زوجة ثانية أو وليمة دسمة فهم لا  يترددون في قطع مسافة أكثر من أربعمائة كيلو متر ذهاب وإياب وبسيارات الدائرة لتناول وجبة ( ثريد الباميا أو البجارية وهي اكلة شعبية مكونة من خبز الصاج ولحم الضان بعد ان يصب عليه قليلا من المرقة ).

 لكن هذه التصرفات التي يقوم بها خلف دفعت زوجته سراب إلى الطلب منه أن يترك منصبه ويعود إلى وظيفته السابقة وعندما رفض قررت أن تترك البيت وتذهب إلى أهلها وكما يقال بالعامية ( حردانة )

 وبعد عدة أيام أرسل لها رسالة في ظرف ورقي مختوم مع ابنه عجاج يشكو لها سوء حاله قائلا:

 لا ربابة ولا زمارة تغنيني عنكم ولا عود

 وشخاطتي فضيت وما ظل بيه ولا عود

 والله ما ترك المنصب وعالوظيفة ما أعود

 وثريد الباميا والبشارية يظل حسرة عليا 

 ------------------- انتهت -------------------

 بقلم : مرشد سعيد الأحمد 

 ملاحظة : انا في هذه القصة لا أقصد أحد بشكل شخصي وإنما أتحدث عن حالة اجتماعية عامة في الوطن العربي .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عيد الحب / فاطمة الرحالي

 عيد الحب ؟!  أي حب نتكلم عنه ، و نعيد ؟! بأي قلب نفرح به و يزهر القصيد ؟ الأوطان نار و الوجع شديد .. و الخطب زاد .. سحق العباد  طال الطفل و...