الاثنين، 7 ديسمبر 2020

قسمة ونصيب للمبدع/ أحمد عيسي

 قسمة ونصيب

بقلم/ أحمد عيسى

"حسن"، و"رامي"، و"بسمة"، شابان وفتاة في أوج الشباب وعنفوان الفتوّة، يكبر "رامي" زميلته "بسمة" بنحو عامين، على حين يكبر "حسن" زميله "رامي" بزُهاء ثلاثة أعوام.

كان الثلاثةُ زملاءَ عملٍ في قسم واحد بإحدى المؤسسات، يشملهم بهو المكاتب دائماً، وتحتضنهم قاعة الاجتماعات كثيراً، وكان "البوفيه" ملتقى ثلاثتهم أحياناً، في حين كانت حافلة الشركة تقلّهم وباقي الزملاء صباحاً عند صعودهم للذَّهاب للعمل، ومساءً عند الإياب إلى الدُّور والسَّكَن.

اشتدّ إعجاب الشابين بزميلتهما "بسمة" تلك الفتاة الحسناء، الجادّة في عملها، الحكيمة في علاقاتها، المتميزة بأدبها وسلوكها، فلا فَظاظة ولا صدود، ولا غِلظة ولا جمود، تُقدّر الكلام ولا تُقتّره، وتبسُط الوجه ولا تُقطّبه، في شجاعة يزينها أدب، وإقدام يجلله حياءٌ وحَذَر.

أكْبَر "بسمة" كلُّ من تعامل معها، وأُعجب بها كلُّ من خبرها والتقاها، لم يكن حُسْن "بسمة" بالطاغي الذي يدعو إلى حادّ التأمل، وقيد النظر، بل كان جمالاً موشّى بجلال، وحُسناً تصونه وضاءة ويحوطه خجلٌ وحياءٌ.

لم تكن "بسمة" من أولئك الفتيات اللواتي يبدين زينتهن، فيرسلن أمواجاً من الشَّعر تترادف بحركاتهن مهفهفة، ولا من اللائي يُطلقن عِنان شعورهن كأسنمة البخت المائلة.

كما أن "بسمة" لم تكن بالقصيرة، وحتى إن كانت، فلم تك لتفكر مطلقاً أن تعمد إلى عالي الكِعَاب، لتبديها رَبْعَة تتهادى مهتزةً بين الطُّول والقِصَر، بل كانت دوماً متصالحة مع فطرتها فما لاذت مرة بفواتح الجلد ومبيضات البَشَرات، ولم تجنح ذات يوم لبريق أصباغ ومستحضرات!

بمرور الوقت تعلّق قلبا الشابين بـ "بسمة"، وسرعان ما تحوّل الإكبار إلى ارتياح، والارتياح إلى إعجاب، والإعجاب إلى بوادر ودٍّ وتحابّ، ولشد ما كانت سرعة تحوّل ذلك كلِّه لحُبّ صُراح ثم إلى غَرام وهُيام قَراح!

كل ذلك كان من جانب الشابين، دون أن يبوح أيٌّ منهما لـ "بسمة" عن دخيلة قلبه، أو تأجُّج فؤاده، بل من دون أن يلمحا لها بعبارة كاشفة، أو جملة شفيفة هادفة، فلم يجسُر واحد منهما أن يعترض طريقها، اللهم إلا لإلقاء جادّ السلام المعزز بوقار الابتسام والمكلل بطيب وحسن الكلام.

بيد أنه عند اشتداد الوجد بالشابين، وحين استعرتْ فيهما جمرة الحبّ، واتّقدت بهما جذوة العشق، عزم كل واحد منهما على أن يتقدم رسمياً للفتاة.

ثم بعد مرور ثلاثة أشهر، تشجّع "حسن" بعد أن سلَّم على "بسمة"، وانتهز فرصة عُطل عارض ألمَّ بالمصعد، فاضطر "حسن" و"بسمة" أن يصعدا في دَرَج السلم مع الصاعدين، ثم قال لها مباشرة عند انتهاء دَرَج الصعود..

حسن: أريد أن أزوركم لأخطبك.. فليتك تنسقين مع والدك.

بسمة (خجلى متوردة الوجنتين): سأخبر أبي.. ثم أُجيبك.

وحين دَلَفَتْ "بسمة" إلى المطبخ وجدت "رامي" قاعداً كأنه يترقب قدومها، فنهض من فوره..

بسمة: صباح الخير.

رامي: صباح النور.. هل تسمحين؟

بسمة: نعم.. تفضل.

رامي: ما رأيك في الحُبّ؟

بسمة (متفاجئة ثم متماسكة): الحبّ علاقة طاهرة يودعها الله أصل القلوب ومُستكن الفِطَر، ثم تنبت مع حنان الأم، وتزهر برعاية الأب، وتزهو في ظل الأسرة وحنايا المجتمع.

وهناك حبّ الأقارب والجيران، والمعلمين والمعلمات، والصديقات والزميلات، وحبّ البُلدان والأوطان، وهنالك أيضاً حبّ العِلْم والعَمل.

رامي (منفعلاً): ليس عن هذا الحب أسألك!

إنما أعني الحبّ الذي يلفّ قلبين، ويضم فؤادين، حتى يستحيلا قلباً وفؤاداً واحداً، ويذوبان نفساً وروحاً خالصة!

ألم تسمعي العندليب الأسمر وهو يغرد:

عمري ما تعودت تبقى معايا وتفكر لوحدك

داحنا الاتنين قلب واحد دقته عندي وعندك

بسمة: وهل سمعتَ الآية القرآنية التي تقول: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]؟

رامي (مُصفراً ومُحمراً مُندّى الجبين غزير العَرَق): أريد رقم هاتف والدك لأفاتحه في أمرٍ يخصّك.

بسمة: أمهلني لأخبره أولاً.. ثم أجيبك.

وبعد عدة أيام وحين كانت "بسمة" تتناول فُطورها بمطبخ الشركة، دنا منها "رامي"، ثم قال:

رامي: صباح الخير.. هل أحضرت لي رقم هاتف أبيك؟

بسمة: صباح النور.. نعم.. هو مكتوب بهذا "الكارت".

رامي: شكراً لك.

بسمة: عفواً.

بادر "رامي" في وقت راحة العمل بالخروج إلى مكان خالٍ، ثم أجرى اتصالاً مع والد بسمة..

رامي: مساء الخير يا فندم.

والد بسمة: مساء النور يا بُني.

رامي: معك "رامي" زميل ابنتك الآنسة "بسمة".

والد بسمة: مرحباً بكم ابننا العزيز وأهلاً وسهلاً بك.

رامي: متى أشرف بلقياكم؟

والد بسمة: نسعد بكم ابناً غالياً وزميلاً لابنتنا في كل وقت.

رامي: زميلاً فقط؟ كنت أسعى لعلاقة قرب ونسبٍ ومصاهرة.

والد بسمة: كنا نرجو يا بُنيّ، لكن الزواج قِسْمَةٌ ونصيبٌ وقَدَر، قد خُطبتْ أختك "بسمة" مساء أمس، ولم تُرد أن تُحرجك اليوم ولم تشأ أن تَجرحك!

وحين كان "حسن" يمررّ حلوى الخطوبة بين زملاء العمل ينهال عليه أريج التهاني وتنثال عليه المباركات، أدرك "رامي" لحظتها أمرين وهو يغالب دمعتين منحدرتين هَمَتْ بهما مُقلتاه أولهما: أن الطريق المستقيم هو أقصر وأخصْر الطرق، وآخرهما: أن الزواج حقاً قسمةٌ ونصيبٌ وقَدَر!!

aboeisa69@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عيد الحب / فاطمة الرحالي

 عيد الحب ؟!  أي حب نتكلم عنه ، و نعيد ؟! بأي قلب نفرح به و يزهر القصيد ؟ الأوطان نار و الوجع شديد .. و الخطب زاد .. سحق العباد  طال الطفل و...