حديث الجمعة:
حوار مع صديقي المُلاَحِظْ
حدثني صديقي المُلاحِظْ ، بعد انتهاء صلاة الجمعة و نحن نَهُمُّ بالخروج من المسجد ، و قال : "لا تظن أنني بغافل عما تقوم به بين الفينة و الأخرى ".
استدرت نحوه و الدهشة بادية علي، تساءلت في صمت مريب و الهلع ينتابني و الفزع يَدِبُّ في أوصالي " يا إلهي ماذا عساني أكون قد فعلت هذه المرة. نحن فرغنا للتو من صلاة الجمعة في مسجد الحي. و الآن نحن في قلب معركة الأحذية ، و ما ادراك ما معركة الأحذية بعد انتهاء صلاة الجمعة. و في نفس الوقت نحن في ازدحام و تدافع على الخروج و كأننا في حَشْرٍ مُصَغّرْ، و كأن المؤمن منا سيفوز بدخول الجنة و ليس بالخروج من المسجد. ربآه، يا ترى، أي ذنب أكون قد أذنبت و أي جرم ارتكبت ، و الأدهى أني عنه قد سهوت؟.
سألت صديقي الملاحظ بِنظراتٍ مُخْتَلِسَة و أنفاسٍ متوجسة و قلت " بالله عليك أخبرني عن عظيم ذنبي و قبيح جرمي". رماني بنظرة ممزوجة بخزرة غَضِبَة و أضاء ليل سؤالي بعد طول اضطرابي و قال " إني ألاحظ ، عن غير قصد طبعا، أنك تقوم من حين لآخر بإعطاء الصدقة بيدك اليسرى عوض يدك اليمنى. و أنت تعلم أنه قد ورد في الأثر أن الصدقة باليد اليمنى مقبولة و مضاعفة و الصدقة باليد اليسرى منقوصة بل و قيل مكروهة، و أن ، و أن ، و أن... "
أولًا، و قبل كل شيء ، هنأت صديقي على دقة ملاحظته العالية المستوى ، الغير مقصودة طبعا، ثم أجبته " أعلم يا صديقي الملاحظ ، أعلم . و لكن ما العمل و أنا شخص مزاجي و فوق هذا جد متكاسل. الحق أقول ، إنني لا أقوم بهذا عن قصد أو سبق إصرار و ترصد . المسألة و ما فيها يا صديقي الملاحظ أن تحديد أي اليدين لإعطاء الصدقة يتم بالصدفة بناء على تواجد النقود في أي الجيبين: الجيب الأيمن أم الجيب الأيسر ، لا عجب هناك ، ولا قصد و لا تخطيط".
كم كنت واهمًا و مخطئًا إذ ظننت أنني بهكذا مراوغة و بهكذا عذر مثل عذر عدم القصد هاذا بالذات أننى سابرئ ذمتي بهذه السرعة و السهولة. لقد نسيت و أنا في عجلة من أمري ، و ما أنساني إياه إلا الشيطان ، أنني يمكن أن أُتَابَعَ عن جناية عدم القصد هذه بالذات و الصفات.
و هنا، بالضبط، قاطعني صديقي الملاحظ و قال بخبث مُبَيَّتْ ، و كأنه كان يقرأ ما يدور بخلدي من سيناريوهات و دفوعات محتملة و فاشلة ، "لا ، لا يا حبيبي هذه مردودة عليك. أنت مخطىء أساسًا و إبتداءً . نقودك يجب أن تكون دائمآ في الجيب الأيمن كي تزداد بَرَكَةً. لكن ما علينا، فلنسمع دفاعك الفاشل إلى النهاية إنصافًا لَكَ و إحقاقاً للحق".
أكملت ، موضحا ، لصديقي الملاحظ أنه بناءً على أي الجيبين تَصَادَفَ تواجد نقودي فيه فأقوم بإعطاء الصدقة بِيَدِ نفس الجهة، لأنني كما سبق و قلت ، في إفادتي المسجلة أعلاه في مطلع المحضر ، بأنني شخص مزاجي و فوق هذا متكاسل. فإذا تصادف و تواجدت نقودي في جيبي الأيسر، في ذلك اليوم المشؤوم ، و أنت تلاحظ كعادتك عن غير قصد طبعًا، فأقوم بإعطاء الصدقة بِيَدي اليسرى. فأنا أتثاقل نقل النقود من اليد اليسرى الى اليد اليمنى ، و بعد ذلك بذل مجهود آخر لإعطاء نقود الصدقة هذه باليد اليمنى. هذا كله يحتوي على حركة زائدة و جهد مضاعف ، لهذا منطقيا وجب الاختزال و اسْتُحِبَّ التوفير.
و هنا ، و بدون سابق إنذار كالطوفان إذ تحالف مع البركان ، صاح صديقي المُلاحٍظ منفجرًا و متفجِّرًا في وجهي، كملاكم يهوي على غريمه بالضربة القاضية في سكرات الجولة الأخيرة "و من قال لك اٌَن "الثواب سهلُُ "
دائمًا من قال لك...
أجبته بهدوء خارق: "ألَا يحق لي و لَكَ يا صديقي الملاحظ ، و لَكُم كُلُّكُمْ أيضا بالمناسبة إن شئتم و إن كنتم غير مُلَاحِظِينْ ، ألا يَحِقُّ لي أن أستعمل بعضًا من المادة الرمادية ، التي استودعني إياها خالق و مهندس هذا الكون البديع الهائل ، و أن أقوم بفعل شيىءٍ بسيطٍ و غير مؤثرٍ تماما في حركة و ميزان هذا الكون اللامتناهي ، شيءٍ مثل إعطاء الصدقة بيدي اليسرى...ألَا يحق لي؟"
أعاد صديقي الملاحظ طرح نفس السؤال عليَّ بغضبٍ و حدة ، غير آبه بعذري الملائكي ، و استنطقني بشراهة و فظاظة مَحَاكِمْ التفتيش : " من قال لك أن "الثواب سهلُُ "
مرة أخرى ، كما دائمًا ، من قال لك...
هنا ...جاء دوري لكي أثور غضبًا ، ولو قليلا بعض الشيء ، فعاجَلْتُهُ قبل أن يكمل "لم أكن أعلم أن طريق الجنة يَمُرُّ عبر جيبي الأيمن . ما عليك إلا أن تضع نقودك في جيبك الأيمن و تتصَدَّق بيدك اليمنى ، و بعدها لن تحاسب لا هنا و لا هناك عن " من أين لك هذا " و لا " أين يُهَرَّبُ هذا ".
" هل المُهِمٌّ" توسلت إلى صديقي الملاحظ " هل المُهِمُّ يا صديقي، و أخي و شريكي في هذا الوطن ، هو أن أعطي الصدقة أم أعطي الصدقة بيدي اليمنى. و هل الصدقة باليد اليسرى نفعها واصل بينما أجرها باطل؟"
"و الأهم " أضفت "أليس الأهم أن يكون مصدر هذا المال حلالا و قانونيا، و أن يكون أيضا وطنيا مُنْتِجاً و استثماريا ، و ليس مضاربا انتهابيا و ريعيا ".
يا أخي ، وإخواني ، و أخواتي في هذا الوطن العربي الغالي الفسيح ، المهم أن نتعاون و نتكاتف ونعطي الصدقة ، خصوصا في ظل هذه الأزمة و الجائحة ، حيث تعطلت مصالح كثير من الناس و قَلَّت ارزاقهم و زادت مصاريفهم ...و كُلُُّ منا أدرى بمن يستحق العون و لا سقف هنا لحجم و نوع المساعدة ، و لا تحتاج ان تذهب أبعد من أسرتك القريبة و الممتدة و كذلك جيرانك و سكان منطقتك ".
و ...لا يهم بعد هذا ، إن كانت هذه الصدقة باليد اليمنى أو باليد اليسرى ، فهي في هذه الحالة لا هي بِيَدٍ يمنى و لا هي بِيَدٍ يسرى...
...هِيَ فَقَطْ يَدُ المُسَاعَدَة
جُمُعَةْ مُبَارَكَةْ
بقلمي خالد صابر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق