الجمعة، 26 يونيو 2020

حديث ‏الجمعة ‏/بقلم ‏خالد ‏صابر

حديث الجمعة:

حوار مع صديقي المُلاَحِظْ

حدثني  صديقي  المُلاحِظْ ، بعد انتهاء  صلاة الجمعة  و نحن نَهُمُّ  بالخروج  من المسجد ، و  قال : "لا  تظن أنني بغافل عما  تقوم  به  بين الفينة و الأخرى ".

استدرت نحوه  و الدهشة  بادية علي،  تساءلت في  صمت مريب  و الهلع ينتابني  و الفزع يَدِبُّ  في أوصالي  " يا  إلهي ماذا عساني أكون قد  فعلت  هذه المرة.  نحن  فرغنا  للتو  من صلاة الجمعة  في  مسجد الحي.  و الآن  نحن  في قلب  معركة الأحذية ، و  ما ادراك  ما  معركة الأحذية بعد انتهاء صلاة الجمعة.  و في نفس الوقت  نحن  في  ازدحام و تدافع على الخروج  و كأننا  في حَشْرٍ  مُصَغّرْ،  و كأن المؤمن منا سيفوز  بدخول الجنة و ليس  بالخروج  من المسجد.  ربآه،  يا ترى،  أي ذنب أكون قد أذنبت  و أي جرم ارتكبت ، و الأدهى أني عنه قد سهوت؟.

سألت صديقي  الملاحظ بِنظراتٍ  مُخْتَلِسَة و أنفاسٍ متوجسة  و  قلت " بالله  عليك أخبرني  عن عظيم  ذنبي و قبيح جرمي".  رماني  بنظرة  ممزوجة  بخزرة  غَضِبَة  و أضاء ليل سؤالي بعد طول اضطرابي و قال " إني ألاحظ ، عن  غير  قصد طبعا، أنك تقوم  من حين لآخر  بإعطاء الصدقة  بيدك اليسرى عوض يدك اليمنى.  و أنت تعلم  أنه  قد ورد  في الأثر  أن الصدقة  باليد اليمنى  مقبولة  و مضاعفة  و الصدقة  باليد اليسرى  منقوصة  بل و قيل مكروهة، و أن ، و أن ، و أن...   " 

أولًا، و  قبل كل شيء ، هنأت صديقي على دقة  ملاحظته العالية المستوى  ، الغير  مقصودة  طبعا، ثم  أجبته  " أعلم يا صديقي الملاحظ  ، أعلم .  و لكن ما  العمل و أنا شخص مزاجي و فوق هذا جد متكاسل.  الحق  أقول ، إنني لا أقوم بهذا عن  قصد أو  سبق  إصرار و  ترصد .  المسألة و ما  فيها  يا صديقي الملاحظ أن تحديد أي اليدين  لإعطاء الصدقة يتم  بالصدفة  بناء على  تواجد النقود في أي الجيبين: الجيب الأيمن أم الجيب الأيسر ، لا عجب هناك ، ولا قصد و لا تخطيط". 

كم كنت واهمًا و مخطئًا إذ ظننت أنني  بهكذا مراوغة و بهكذا عذر مثل  عذر عدم القصد هاذا  بالذات أننى سابرئ  ذمتي بهذه السرعة و السهولة.  لقد نسيت و أنا  في  عجلة  من أمري ، و ما أنساني إياه  إلا  الشيطان ،  أنني  يمكن  أن أُتَابَعَ عن جناية  عدم القصد  هذه  بالذات و الصفات. 

و هنا، بالضبط، قاطعني صديقي الملاحظ و قال بخبث مُبَيَّتْ ، و كأنه كان يقرأ  ما  يدور بخلدي من سيناريوهات و دفوعات محتملة  و  فاشلة ، "لا ، لا  يا  حبيبي هذه مردودة عليك.  أنت مخطىء  أساسًا و إبتداءً .  نقودك يجب أن تكون دائمآ  في  الجيب  الأيمن  كي تزداد  بَرَكَةً.  لكن  ما علينا، فلنسمع  دفاعك  الفاشل إلى النهاية  إنصافًا لَكَ و إحقاقاً للحق".

أكملت ، موضحا ، لصديقي الملاحظ أنه بناءً على أي الجيبين تَصَادَفَ تواجد نقودي  فيه  فأقوم  بإعطاء  الصدقة  بِيَدِ نفس الجهة، لأنني كما سبق  و قلت ، في إفادتي  المسجلة أعلاه في مطلع المحضر ، بأنني شخص  مزاجي و فوق هذا  متكاسل. فإذا تصادف  و تواجدت  نقودي  في  جيبي الأيسر، في ذلك اليوم المشؤوم ، و أنت تلاحظ كعادتك عن غير  قصد  طبعًا،  فأقوم  بإعطاء الصدقة  بِيَدي اليسرى.  فأنا  أتثاقل نقل النقود من اليد اليسرى الى اليد اليمنى ، و بعد ذلك بذل مجهود آخر لإعطاء  نقود الصدقة هذه  باليد اليمنى.  هذا كله يحتوي على حركة زائدة و جهد  مضاعف ، لهذا منطقيا  وجب الاختزال و اسْتُحِبَّ التوفير. 

و هنا ، و بدون سابق إنذار كالطوفان إذ تحالف مع البركان ، صاح  صديقي المُلاحٍظ  منفجرًا  و متفجِّرًا في وجهي، كملاكم  يهوي  على غريمه  بالضربة  القاضية  في  سكرات الجولة  الأخيرة  "و من قال لك اٌَن "الثواب سهلُُ "

دائمًا من قال لك...

 أجبته  بهدوء  خارق:  "ألَا يحق لي و لَكَ  يا صديقي الملاحظ  ، و لَكُم  كُلُّكُمْ  أيضا  بالمناسبة  إن شئتم و إن كنتم غير  مُلَاحِظِينْ ، ألا يَحِقُّ لي أن أستعمل بعضًا  من المادة  الرمادية ، التي  استودعني إياها  خالق  و مهندس  هذا  الكون البديع  الهائل ، و أن أقوم بفعل شيىءٍ  بسيطٍ و غير  مؤثرٍ  تماما  في  حركة و  ميزان هذا  الكون اللامتناهي ، شيءٍ مثل إعطاء  الصدقة  بيدي  اليسرى...ألَا يحق لي؟"

أعاد صديقي الملاحظ طرح  نفس السؤال عليَّ  بغضبٍ  و حدة ، غير آبه بعذري الملائكي ، و استنطقني  بشراهة و فظاظة مَحَاكِمْ  التفتيش : " من قال لك أن "الثواب سهلُُ "

مرة أخرى ، كما دائمًا ، من قال لك...

هنا ...جاء دوري لكي أثور غضبًا ، ولو قليلا بعض الشيء ،  فعاجَلْتُهُ قبل أن يكمل  "لم أكن أعلم  أن طريق الجنة  يَمُرُّ  عبر جيبي الأيمن .  ما عليك  إلا  أن تضع  نقودك في جيبك الأيمن و تتصَدَّق بيدك اليمنى ، و بعدها لن تحاسب  لا هنا و لا  هناك عن " من أين لك هذا " و لا  " أين يُهَرَّبُ هذا ".

" هل المُهِمٌّ"  توسلت إلى صديقي الملاحظ " هل المُهِمُّ يا صديقي، و أخي و شريكي في هذا الوطن ،  هو أن أعطي الصدقة أم أعطي الصدقة  بيدي اليمنى.  و هل الصدقة  باليد اليسرى نفعها  واصل  بينما أجرها  باطل؟"

"و الأهم " أضفت "أليس الأهم  أن يكون  مصدر  هذا المال حلالا  و قانونيا، و أن يكون أيضا وطنيا  مُنْتِجاً  و استثماريا ، و ليس مضاربا  انتهابيا و ريعيا ".

يا أخي ،  وإخواني ، و أخواتي  في  هذا الوطن  العربي الغالي الفسيح ، المهم  أن نتعاون  و  نتكاتف  ونعطي الصدقة ، خصوصا في ظل هذه  الأزمة و الجائحة ، حيث تعطلت مصالح  كثير من الناس  و قَلَّت ارزاقهم  و زادت مصاريفهم ...و كُلُُّ منا أدرى بمن يستحق  العون و لا سقف هنا لحجم و نوع المساعدة ،  و لا تحتاج ان تذهب أبعد من أسرتك  القريبة  و الممتدة   و كذلك جيرانك و سكان منطقتك ".  

و ...لا يهم بعد هذا ، إن كانت هذه الصدقة باليد اليمنى أو باليد اليسرى ،  فهي  في هذه الحالة  لا  هي بِيَدٍ يمنى  و لا هي  بِيَدٍ يسرى...

...هِيَ فَقَطْ يَدُ المُسَاعَدَة

جُمُعَةْ مُبَارَكَةْ

بقلمي خالد صابر
دبلن،  ماي ٢٠٢٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عيد الحب / فاطمة الرحالي

 عيد الحب ؟!  أي حب نتكلم عنه ، و نعيد ؟! بأي قلب نفرح به و يزهر القصيد ؟ الأوطان نار و الوجع شديد .. و الخطب زاد .. سحق العباد  طال الطفل و...