الأحد، 5 يوليو 2020

فراشة ‏في ‏حضن ‏قنديل/بقلم ‏محمد ‏نعمة ‏اللامي

فراشة في حضن قنديل
.....................................

هذا المساء يلدغُ أناملي بمر الذكريات وهيَ تتدحرجُ من الزوايا المُعتمة خواطرُ بوح وتباريحُ وجع ، تنكأُ الجُراحات الضاربةَ في سالف الامس وتوغلُ بثمالةِ الألم لأُمنياتٍ وشبابٍ مهدور على كفةِ الحرية والمبادئ والكرامة ، كل الذي أتذكرهُ أننا وقبلَ اكثرُ مِنْ تسع وعشرين عاماً ونيف من الشهور أُعتقلنا أنا وصديق لي لشعورِ الحكومات المستبدة الظالمة بأن نزعة وفطرة طُهر النوايا يقضُ مضاجعَها ويهددُ أرجُلَ كراسيها العفنة ، إِقتادونا الى مكانٍ يقالُ لهُ (معتقلُ الرضوانية) ألشهير وأنا اسميه ( مذبح الرجال) الذي لمْ يغادر مُخيلتي يوماً ، ليتني أتمتعُ بِسحريةِ السرد وأنثرُ قطعاً من كبدِ قصتي على أرصفةِ السطور ، معَ أنَّ روايتي لها شفاهياً سُيعقد المشهد وينعقد لهُ مجلساً تأبينياً بين المتلقين ويذهب بروعهم ويُذهل لُبابَ عقولهم ، لا أُخفي أمراً كم مرة كتبتُ ومزقتُ فقد أعياني وأثقل كاهلي كم الوجع المتزاحم بين أروقة الحكايا الصادقة ،  الذي تعجز عن حمل أناتهِ حروفي المتواضعة التي تتهارب من الحضور تحت سياط أناملي لتروي الواقع المُر المهين كوخزات في الضمير الحي تتصبب لها  أدمعي كلما استعادت مُخيلتي صور التعذيب والجوع والإهانة وكيفَ لمن أرادَ شربةً من الماء ان يدفع ديةَ ذلك أطناناً من الضربِ المبرح والإهانه الموجعة للكرامة المهدورة بنهم ...
معَ أني كنتُ أتلقى على مسرح ظهري لفحاً وسيلاً من جمر سياط الجلادين الذينَ يتبارون ويتناوبون على ايقاعَ أشدَ الأذى بي إلا أنَّ عيني كانت تُغادرني فتشيحُ طوال الوقت يبعَثُها قلبي المتجمر مرسالُ إِطمئنان تشقُ المسافات نحو صديقي الذي يُبادلني الشعورَ ذاتهُ بالخشية والرعب من ضبابية ما سيؤول له المصير ، لمْ أستشعر الوجعَ المُغمس بالإِهانةِ فقد هَجرتني عيني اليه وأغلقت أذني أبوابها وغابت مشاعري  إِلا عن صوتهِ المبحوح من الصُراخات المؤلمة ، ذُهولي ورُعبي وخَشيتي لهُ كانا يعملانِ كَ..إبرةٍ مُخَدِرة تَضُجُ بها أوردتي المتهرئة من شدة الاذى والجوع والعطش وأنا أنظرُ إِليهِ وهم يسوقونهُ ..ك خروفٍ لا حولَ لهُ صوب منصات النحر المقدس وهو يجود بنفسه ، ورِجلاهَ تَخُطانِ الأرضَ صوبَ برميلٍ كنتُ أجهلُ مُحتواه تَبينَ فيما بَعد أنَهُ قد عُبئَ بالقير (الزفتِ) الناعمِ ألاسود المُشبعِ بالبنزينِ سريعُ الإِشتعال والمُلقى في إِحدى زوايا ساحةِ المُعتقل ، بعدَ أن أعطوهُ مِشعلاً غازياً ( ولاعة) وأمروهُ باشعالِ البرميل وكانَ هوَ مِنَ الذكاءَ بمكان رغمَ ألَمه أن يخمنَ ما سيحدث وما سيؤولُ له مصيره ، 
إِمتنعَ لمراتٍ ومرات من إِشعالِ البرميلِ بنفسهِ فبادرهُ الجلاد واشعلهُ وحملاهُ وألقياه في غيابة جُب التنور الذي يبدو وكأنهُ بركان تتطايرُ منهُ الشُرُر  بعدَ أن إمتنعَ من طاعةِ الأوامر منَ النزولِ بنفسهِ ،
ترقبٌ حذر وقلبٌ متطاير وذٌهول لا يشبههُ ذُهول فمناطقُ الدهشة تُذهب بكياسةِ العقل ،  كانَ الجميعُ منشغلاً بمصيبة نفسه إِلا أنا كنتُ منشغلاً بتلك الروح التي قسمتها السماء بين جسمين ، ألنارُ تتلاقفهُ بِعُجالة ، ثوبهُ الأبيض الذي كانَ يرتديه ك..عريسٍ يُزفُ الى مخدعِ عُرسهُ أراهُ يَذوب على جسدهِ حتى لا أستطيع تمييز أجزاءه عن جلدهِ الذي يتفحم  وهو يعجُ ويصرخُ بملئِ حُنجرته ، بركانٌ يتلاقف جسده الخاوي وهو يلوذ -كفراشةٍ إِقتادها حضنُ ضوء قنديلٍ ماكرٍ لتُصلب بشموخ -محاولاً الحفاظ على ماتبقى من أعلى جسده منَ أللهب المستعر بعدَ أن ذابت أطرافهُ السفلى وهم يُسمعونهُ أشد اللعنات ويُلحقونَ بأكتافهِ اقوى الضربات و يسخرون ويضحكون وكأنهُ ذبيحة تشوى في نزهةٍ  .
الذهول والرعب والخشية بين ملامح وجهه كانوا يَخطفون كلَ مشاعري ك.. إبرةٍ مُخدرة لم أعُدْ أتحسس ما يحصل لي وكأنني أحملُ النصيبين من وجعهِ ووجع الهراوات والايدي  وأنا بوضع لا أُحسدُ عليه حيث كنتُ معلقاً بيدين معقودتين الى الظهر ومتدلٍ من مروحةٍسقفيةٍ وكأني أُصلب  تتلاقفني الضربات عن اليمينِ والشمالِ ومن فوقي ومن تحتي بل وكل ابعادي ، لكنها لم تَمنعُني من ادامة ومواصلة الترقُب والنظر المشوب بالوجل وهو يُحملُ خارجُ البرميل بعد ان اعييته النيران محملاً باطرافهِ الذائبة المدماة حرقاً وبقايا سوادات لثوبهِ الأبيض وقد تبخرت أصابعُ قدميه ، لم اسمع منهُ سوى صُراخاتِ الوجع وتبتلاتٍ للسماء طلباً للموت بكرامة والخلاص أفقدتني الشعور بكل ما حولي ألا بلوعتهِ ، ماهي إلا لحظات حتى إِستفقت وكأني في حُلمٍ مُرعبٍ أخَذَ مني مأخذهُ من  الوقت والهلع  ، لأجدُ نفسي مُلقاً في زنزاتي مع بقية رفاقي الذين نالهم ضوع الوجع وقد بدأوا يُخبرونني بتفاصيل قصة ماحدث وأنني قد فقدتُ الوعيَ وأنا أنظرُ لصديقي وهوَ يستقبلُ أشدَ العذاب بالإضافةِ الى ضربةٍ محكمةٍ على رأسي من أحدِ الجلادين تسارع بي الى الارض وقد حُملنا أنا وصديقي هو على شفا حفرةٍ من الموت لشدة الألم وأنا على ما أنا عليه من صمت لفقداني الوعي ، لنلتقي مرةً أخرى في زنزانة الوجع حطاماً منهكة من وسائل التعذيب الجسدية والمعنوية ومن  الجور والظلم على اعتاب الكرامة المستباحة على مذبح الحرية..

.

بقلم..
محمد نعمة اللامي
العراق...💔🌿💔

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عيد الحب / فاطمة الرحالي

 عيد الحب ؟!  أي حب نتكلم عنه ، و نعيد ؟! بأي قلب نفرح به و يزهر القصيد ؟ الأوطان نار و الوجع شديد .. و الخطب زاد .. سحق العباد  طال الطفل و...