(( بَعدَ موتيَ أينَ سَأُدفَن )) ؟
منذُ أكثرَ من أربعينَ عاماً ، قرَّرتُ أن أكونَ راعياً .
لَبِستُ ثيابَ الرَّعي ، وَحَملتُ عَصايَ ، ورحتُ أهُشُّ بها قطيعي .
بَدَأتِ النَّاسُ تَنظر إِلَيَّ نظراتِ العطفِ والشَّفَقة :
راعٍّ يَسرحُ ولا قطيعَ أمَامَه!!
كانَ اللهُ بعونِه!!
لكِنَّني كُنتّ الوحيدَ العارفَ ماذا أرعى ؟
في البَرِّيَّةِ وَفي جَوٍّ رَبيعيٍّ ، جاءَتني فِكرةٌ مِن أفرادِ قَطيعي ، الَّذي تَجاوزَ عَدَدُه الآلافَ ، وقالتْ لِي :
نَحنُ أفكارُكَ ، وفي رَيعانِ شبابنا ، وَتَسرحُ بِنا في هذهِ الأراضي الضَّيِّقَة .
أنتَ تَعبتَ ، وَأجهَدتَ نفسكَ حتَّى جِئتَ بِنا وكَبرنا .
دَعنا نَنطلقُ في هذا العالَمِ ، وَنَصولُ ونَجُولُ .
رُبَّمَا نَستطيعُ أنْ نفعلَ ما يُريحُكَ ، وَيُشعرُكَ بالسَّعادة .
رَاقَ لي كلامُها ،وَأَعجَبني .
استَدعيتُ القطيعَ ، وَأمَرتَهُمُ بالانتشارِ بَعيداً ، بينَ النَّاسِ وَفي أَيِّ مَكانٍ يَحلو لَهُم ، وَلْيَعمَلًوا بِشَرفٍ وَإِخلاصٍ ، كَمَا قالَت رَفيقَتَهُنّ .
اتَّفقتُ مَعَهُم ، عَلى أَنْ يَعُودَ كُلٌّ مِنهُم ، عِندَمَا يَشعُرُ أن مهمته انتهت ،وَأَنا سَأَكونُ بالانتِتظارِ بَدءاً مِنَ اليوم.
كنتُ يَوميَّاً أزورُ المكانَ ، أمَلاً بلقاءِ عَائِدٍ جَديدٍ منهُم ، وَلكِن لا أَمَل .
مُنذُ عِدَّةِ سِنواتٍ ذَهبتً إِلى المَكانِ ، وَكانتِ المُفاجأةُ المُذهلة !!!
جَميعُ أفكاريَ عادَت بِتوابيتَ خَشَبِيَّةٍ .
وِمِا زِلتُ مُنذُ سِنينَ ، وَأنَا أُدفِنُها تِباعاً .
أَملِكُ قِطعتينِ مِنَ الأَرضِ ، وَلَم تَتَّسِعا لِدفنِ تِلكَ الضَّحايا .
مَا قَبلتُ أَن أَتركَ مَا تَبقَّى بِدونِ دفن .
أَملكُ مَبلغاً مِنَ المالِ ،
اشْتريتُ بِهِ قِطعةَ أرضٍ جَديدة .
دَفنتُ بِها الباقِيَ ، وَلَم يَبقَ مُتَّسعُ لِوافِدٍ جَديد.
الفِكرةُ الوحيدةُ الَّتي وُلِدَت عِنديَ فَجأةً :
لَا مالَ بَقِيَ لَدَيَّ
لَا أَملِكُ أرضاً
بَعدَ مَوتِيَ أَينَ سَأُدْفَن؟
- بِقَلَمِي :سليمان سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق